أمعاؤنا موطنٌ لمجموعة هائلة ومتنوعة من الكائنات الحية الدقيقة، تُعرف باسم الميكروبيوم (النبيت الجرثومي) المعوي؛ ومن المثير للاهتمام أنها تؤدي دورًا حيويًّا في صحتنا. فالعلاقة بين الميكروبيوم المعوي والجهاز العصبي، المعروفة باسم «المحور الدماغي المعوي»، حظيت باهتمام بالغ نتيجة اكتشافات العلماء المذهلة في الآونة الأخيرة.
العلاقة بين الأمعاء والدماغ
تحتوي أمعاؤنا على عددٍ هائل من الكائنات الحية الدقيقة؛ ويقدر عددها بنحو التريليون، وهو ما يتجاوز عدد خلايا أجسامنا، فتشمل نحو ألف نوع. ونظام الكائنات الحية الدقيقة التي تأوى الأمعاء قابل للتغير؛ إذ يتأثر بعوامل مثل النظام الغذائي، والعوامل البيئية، والصحة العامة، والعمر.
الجهاز العصبي المعوي Enteric Nervous System (ENS) شبكة من الخلايا العصبية داخل جدار الأمعاء بأكملها، بدءًا من المريء ووصولًا إلى المستقيم؛ فهو يسيطر على وظائف السبيل الهضمي. وتتصل أمعاؤنا بدماغنا من خلال العصب الحائر الذي يحقق الاتصال ثنائي الاتجاه بالتفاعل المدهش بين الناقلات العصبية، والببتيدات العصبية، والهرمونات، والجهاز المناعي. ويُفسر هذا التواصل كما يلي:
- المسار التشريحي العصبي: العصب الحائر
قد يتفاعل العصب الحائر والميكروبات المعوية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ فقد تتفاعل بعض المنتجات البكتيرية مباشرة مع العصب الحائر؛ وفي حالات أخرى، قد يحتاج العصب الحائر إلى جسر، والذي يكون في هذه الحالة الخلايا المعوية الغددية Entroendocrine Cells (EECs)، لاستشعار المنتجات البكتيرية. وسواء كان التفاعل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ينقل العصب الحائر تلك الإشارات إلى الدماغ الذي يؤثر بدوره في صحتنا العامة.
- المسار العصبي الصماوي
تُنتج الخلايا المعوية الغددية في السبيل الهضمي هرمونات وبيبتيدات ذات وظيفة مرتبطة بجهازنا العصبي؛ بما في ذلك الببتيد شبيه الجلوكاجون 1، والكُولِيسِيسْتوكِينين، والسيروتونين (يتحكم في مزاجك، ونومك، وتنظيم درجة حرارة الجسم، والذاكرة، والتعلم). يمكن أن تؤثر الميكروبات المعوية أيضًا في المحور الوطائي-النخامي-الكظري Hypothalamic-Pituitary-Adrenal (HPA) axis (نظام استجاباتنا للتوتر). ويؤدي عدم توازن الميكروبات المعوية (اختلال التوازن البكتيري Dysbiosis) إلى ازدياد الجزيئات الالتهابية، التي يمكنها عبور الحاجز الدموي الدماغي Blood-Brain Barrier (BBB) وتنشيط المحور الوطائي-النخامي-الكظري.
- المسار المناعي
النسيج الشبيه باللِّمْف في جهاز الهضم Gut-Associated Lymphoid Tissues (GALT) يمثل 70⁒ من جهاز مناعة أجسامنا؛ فهو يقاوم الغزو الضار في الأمعاء. وعندما تتعرض الميكروبات المعوية للخطر، ترتفع نسبة الجزيئات الالتهابية المنتَجة والتي تعبر الحاجز الدموي الدماغي؛ مما يؤدي إلى زيادة الحالة الالتهابية في الدماغ.
- الجزيئات العصبية
البكتيريا الموجودة في أمعائنا يمكنها إنتاج الناقلات العصبية التي تشمل السيروتونين (يُنتج نحو 90٪ من السيروتونين في أجسامنا بالأمعاء)، والدوبامين (يُنتج نحو نصف الدوبامين في أجسامنا بالأمعاء)، وحمض جاما أمينوبوتيريك (جابا GABA)، ونُورإِبينِفْرِين، ونُورأدرينالين، وأسيتيل كُولين. ويمكنها أيضًا إنتاج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة Short-Chain Fatty Acids (SCFAs)؛ ولبعضها وظائف عصبية مهمة.
العلاقة بالأمراض
تدعم الأبحاث ارتباط اختلال توازن الميكروبيوم المعوي بسلوكيات القلق والشبيهة بالاكتئاب. وكذلك أكدت دراسة أخرى على ارتباط الميكروبات المعوية بالتوحد والاضطرابات المزاجية. وكشفت التجارب أيضًا عن ارتباط الميكروبيوم المعوي بالفصام. وأكد الباحثون على وجود علاقة بين الالتهاب الناجم عن الميكروبات المعوية والأمراض المرتبطة بالتهاب الجهاز العصبي، مثل مرض ألزهايمر.
لا شك في أن الحفاظ على صحة الميكروبيوم المعوي أمرٌ حيوي لصحتنا:
1– المعززات الحيوية (بروبيوتيك Probiotic) بكتيريا مفيدة، إذ يمكن تناولها في صورة مكملات غذائية لتعويض اختلال التوازن البكتيري بالأمعاء وعلاج الأمراض أو الوقاية منها.
2– غذاء المعززات الحيوية (بريبيوتك Prebiotics) أطعمة غنية بالألياف تغذي البكتيريا المعوية؛ مما يساعدها على العمل بشكل صحيح وفعال، والحفاظ على صحة الأمعاء، ومن أمثلة ذلك الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة.
3– المضادات الحيوية تُستخدم في القضاء على البكتيريا الضارة، إلا أن سوء استخدامها يقلل من أعداد البكتيريا المفيدة في أمعائنا؛ مما يسمح للعوامل المُمْرضة أن تترسخ، كما تؤثر في توازن الميكروبات المعوية، فتؤدي إلى مشكلات صحية متنوعة.
4– الحمية الغذائية تؤثر في الميكروبات المعوية بأجسامنا؛ فإذا لم يكن لدينا مشكلة صحية، يمكننا تحسين صحة أمعائنا من خلال الانتباه لما نأكله فقط. وتشمل الأغذية المفيدة الأطعمة الغنية بالألياف، والأطعمة المخمرة، والأطعمة الغنية بالبوليفينول، وأحماض أوميجا 3 الدهنية، والأطعمة الغنية بتريبتوفان.
وفي الختام، الميكروبيوم المعوي له دور جوهري في صحتنا، فهذا المجتمع الحيوي الدقيق قابل للتغيير اعتمادًا على عوامل مثل النظام الغذائي والضغط والبيئة، وغيرها. وفهم المحور الدماغي المعوي يفتح الأبواب لتدخلات علاجية محتملة.
المراجع
https://doi.org/10.3390/jcm9113705
https://doi.org/10.1152/physrev.00045.2009
https://doi.org/10.3389/fnins.2018.00049
https://doi.org/10.1371/journal.pone.0105328
https://doi.org/10.3389/fnins.2023.1092537
https://doi.org/10.3389/fmicb.2023.1118529
https://doi.org/10.1113/jphysiol.2004.063388
https://doi.org/10.1111/nmo.12295
https://doi.org/10.1016/j.brainres.2018.03.015
https://doi.org/10.1016/j.neulet.2016.02.009
https://doi.org/10.1038/mp.2016.50
https://doi.org/10.3748/wjg.v22.i1.361
https://doi.org/10.1038/s41392-024-01743-1
https://doi.org/10.1053/j.gastro.2013.02.043
https://doi.org/10.3389/fphar.2013.00011
https://doi.org/10.1038/nn.3850
www.caltech.edu
Cover designed by Freepik