المقالات

غضب العناصر: الجفاف والفيضانات

شارك

لقد عهدنا جميعًا أيامًا تهطل فيها الأمطار لساعات، بل ولأيام، دون انقطاع تتسبب أثناءها في أضرار جسيمة؛ حيث تعجز أنظمة الصرف عن مواكبة الزيادة المفاجئة في المياه، ومن ثمَّ تغمر المياه الطرقات وتؤدي إلى انسدادها. وقد تنشلُّ الحياة تمامًا نتيجة لذلك؛ ولكن، لماذا؟

لا يحدث ذلك نتيجة لضعف البنية التحتية فحسب؛ فمياه الأمطار تمتصها التربة وليس الأسفلت. ولم تترك المدن ذات المباني والطرقات الأسفلتيَّة المُقامة على مساحات كبيرة لمياه الأمطار خيارًا إلا التسرب عبر فتحات الصرف الصغيرة في الأرض، على افتراض أنها كافية. إلا أن تلك الفتحات ليست كافية بالمرة، الأمر الذي يتسبب في احتباس المياه فوق السطح؛ فتغمر شوارع العديد من المدن حول العالم.

كما تفيض المياه أيضًا عند انهمار مياه الأمطار بغزارة، مثلما يحدث في فترة الرياح الموسميَّة المطيرة التي تتسبب في خراب كبير وبخاصة في الأراضي الزراعيَّة؛ حيث تغرق المحاصيل وتتشبع التربة بكميات كبيرة من المياه، مما قد يؤدي إلى أزمة في الغذاء. فتهب الرياح خلال معظم العام من اليابسة نحو المحيطات؛ فيكون الهواء جافًا، بينما تهب الرياح الموسميَّة خلال الأشهر التي تهب فيها الرياح من المحيطات نحو اليابسة، مما يؤدي إلى هطول الأمطار الموسمية الغزيرة.

ومن بين البلدان التي تشهد أمطارًا موسميَّة غزيرة وفيضانات تابعة لها الهند وباكستان. فالارتفاع الشاهق لهضبة التيبت في شمال الهند، وهي من أكبر الهضاب على سطح الأرض وأعلاها، يزيد من احتمالية تكوُّن مناطق ضغط جوي منخفض، مما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة في فترة هبوب الرياح الموسمية.

ففي عام 2010، شهدت باكستان أسوأ فيضانات في تاريخها جرَّاء الأمطار الموسمية الغزيرة التي أثرت على حوض نهر السند. ونتيجة لذلك، انغمر نحو خمس مساحة باكستان الكلية بمياه الفيضان مما أسفر عن آثار وخيمة. فقد أثر ذلك بشكلٍ مباشر على حوالي 20 مليون شخص عن طريق تدمير إما منازلهم وممتلكاتهم، وإما سبل عيشهم وبنيتهم التحتية. وقد لقي حوالي 2000 شخص مصرعهم خلال هذه الكارثة الطبيعية.

وفي ديسمبر 2010، شهدت ولاية كوينزلاند بأستراليا الموسم الأغزر أمطارًا في تاريخها؛ فقد هطلت الأمطار في 107 مواقع في ذلك الشهر فقط. ولقد كان إعصار سيكلون تاشا الاستوائي السبب الأساسي وراء معدل التكثيف المرتفع؛ وعندما استمرت الأمطار في التساقط، تسببت في تضخم النهر، ومن ثم انكسار ضفتيه مما أدى إلى سلسلة من الفيضانات. وقد أثرت الفيضانات بشكل أساسي على ولاية كوينزلاند بما في ذلك عاصمتها بريزبين. ولقد أجبر الفيضان آلاف الأشخاص على إجلاء القرى والمدن، وتأثر فوق 200.000 شخص بوطأة الفيضانات في 70 قرية على الأقل. وكان الدمار مكلفًا للغاية؛ بحيث قُدِّر مبدئيًّا بحوالي مليار دولار أسترالي.

إلا أن كوارث المياه لا تحدث فقط بسبب كثرة المياه، بل تحدث أيضًا عندما لا تتوافر المياه بكمياتٍ كافية. ففي مناطق عديدة حول العالم تعاني بلدان من فترات جفاف ممتدة، مما يدفع الناس إلى ترك مساكنهم، وبالتحديد في المناطق الريفية؛ حيث توجد الحقول. فبدلاً من المراعي الخضراء المورقة، والمحاصيل، والماشية التي ترعى على مهل، نجد شجيرات بنية هشَّة، وتربة متشققة وجافة بفعل الشمس، وجثث الماشية التعيسة الجافة.

والقرن الإفريقي من المناطق التي تعاني من الجفاف الشديد، والذي يؤثر على ملايين الأشخاص في كلٍّ من جيبوتي، وأثيوبيا، وكينيا، والصومال. فلقد اختلَّت الأمطار الموسمية نتيجة الظروف المناخيَّة فوق المحيط الهادئ، ولذلك لمدة عام في كلٍّ من كينيا وأثيوبيا (2011)، ولمدة عامين في الصومال. فلقد شهد الموسم الممطر الرئيسي من إبريل وحتى يونية نقصًا في معدلات التكثيف؛ فكان معدل التكثيف في العديد من المناطق أقل بكثير من الأعوام السابقة؛ حيث استقبلت بعض المناطق أقل من 30% من متوسط كمية الأمطار المعتادة.

فكان لنقص مياه الأمطار تأثيرات سلبية على المحاصيل والماشية؛ حيث ارتفعت أسعار الغذاء بشكل كبير، كما تناقصت الأجور مؤدية إلى مشكلة اقتصادية في المنطقة. فهُددت سبل معيشة الناس، ورحل الكثيرون من مناطقهم وحاولوا اللجوء إلى بلدان مجاورة، مما شكل ضغطًا على مخيمات الإيواء وجعل إمدادات الطعام شحيحة. ونتيجة للمعوقات السياسيَّة، لم تصل المساعدات بسهولة إلى من اشتدت حاجتهم إليها، وحصدت المجاعات أرواح الآلاف.

وفي مايو 2012، حذَّر مسئول العمليات الإنسانية والإغاثة في الأمم المتحدة من أن حوالي 18 مليون شخص في ثماني دول في غرب إفريقيا يواجهون الجوع، بما في ذلك حزام الساحل الإفريقي. وحزام الساحل هو المنطقة الانتقالية للمناخ الإيكولوجي والجغرافية الحيويَّة بين الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا ومناطق غطاء السافانا السودانية في الجنوب، ويغطي مساحة 3.053.200 كم2. وتحوي هذه المنطقة الإيكولوجية الانتقالية مناطق عشبية شبه قاحلة، ومناطق السافانا، ومناطق السهوب، ومناطق شجيرات شوكيَّة.

لقد نجمت تلك المجاعة عن عدة عوامل وهي: فساد المحاصيل، وأوبئة الحشرات، وارتفاع في أسعار الغذاء، والصراع، والجفاف. والجفاف الذي يصيب تلك المنطقة ليس زائرًا جديدًا لها؛ فقد أدى مسبقًا في عقودٍ ماضية إلى معاناة شديدة تمثلت في عدم الأمن الغذائي. ويرى بعض العلماء أن الجفاف يحدث نتيجة لسوء استخدام البشر للموارد البيئية، بينما يرى آخرون أنه نتيجة التغيرات المناخيَّة العالميَّة.

فيعتقد راجيف شاه، رئيس وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدوليَّة، أن تغير المناخ قد ساهم في زيادة حدة المشكلة؛ فيقول: "ليس هناك شكٌّ في أن تزايد الحرارة والجفاف في جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا قد حَدَّ من تكيُّف تلك المجتمعات".

إلا أن آخرين لا يعتقدون في أن تغيُّر المناخ مرتبط بالجفاف، أو أن له دورًا في هذه الأزمة؛ فقد أشار خبيران من معهد البحوث الدولي لتربية الحيوان إلى أنه من المبكر جدًّا إلقاء اللوم على تغيُّر المناخ فيما يتعلق بالجفاف، وقد أكدا على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لدراسة العلاقة بينهما.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية