عندما نتحدث عن كوكب الأرض، ذلك الكوكب الكبير المليء بالأسرار، فعادة ما يتطرق إلى أذهاننا التصور المعهود عن شكل الكوكب من الداخل، والذي يتكون من أربع طبقات رئيسية ضخمة؛ وهي: القشرة الأرضية، والدثار، واللُّب الداخلي، واللُّب الخارجي. إلا أننا نادرًا ما نشغل بالنا بالطبقة الرئيسية؛ وهي القشرة الأرضية وما تحويه من طبقات كثيرة تكونت على مر ملايين السنين، وتضم ملايين الحفريات لكائنات عاشت على الأرض منذ أزمنة سحيقة.
كل تلك الأمور في كفة، والأشكال العجيبة والساحرة لهذه الطبقات المترسبة التي كونت القشرة الأرضية في كفة أخرى؛ وهو ما يطلق عليه المتخصصون «علم الطبقات». وهو العلم الذي يهتم بدراسة طبقات الصخور الرسوبية وما تحتويه من رواسب وأحافير، تدل على كيفية نشأة هذه الطبقات وتكونها. ومن هُنا، علينا معرفة بعض المـصطلحات المهمة لفهم الموضوع بشكل أعمق.
«التطبُّق» هو ترتيب طبقات الصخور بعضها فوق بعض. وهي خاصية تميز الصخور الرسوبية عن أنواع الصخور الأخرى، ووحدة التطبُّق «الطبقة». وأما «الطبقة»، فهي أصغر وحدة صخرية، وتُعرَّف بأنها سُمك صخري متجانس يتميز عما فوقه وعما تحته. والأسباب التي تجعلنا نميز بين الطبقات في الطبيعة تُعرف باسم «أُسس التطبُّق»؛ فإذا تفحصت طبقتين متجاورتين، فستكتشف حتمًا السبب الذي جعلهما طبقتين لا طبقة واحدة. ويمكن تحديد الأسباب وفق اختلاف نوع الصخر المكون للطبقات ولونه، واختلاف حجم الفتات الصخري وشكله، وتفاوت درجة الالتحام بين جُزئيات الصخر، واختلاف نوع المادة اللاحمة للفتات الصخري المكون للطبقات.
ومثلما يتمتع التطبُق بالأسس، فإن الطبقات قد تأخذ وضعًا من اتجاهين؛ وهما: «الاتجاه الأفقي» – وهو الأصل عند تكون الطبقات – أو «الاتجاه المائل» – وهو إما ميل أصليّ وإما ميل بنائيّ. أما الميل الأصلي، فينتج عن ترسيب الفتات الصخري على أسطح غير أفقية وغير ملساء – كالترسيب على جوانب كثبان الرمل، أو على الشواطئ، أو على قيعان البحار المليئة بالتعرجات – وتأخذ الطبقات المتكونة زاوية تساوي زاوية انحدار السطح المـُترسبة عليه؛ وهي خاصية اكتسبتها عند تكونها في بداية الأمر. وأما الميل البنائي، فينشأ نتيجة حركات بنائية بعد تكون الطبقات وتصلبها. ولذلك، عندما تستقر الرسوبيات فوق السُّطوح المـُتعرجة بسُمك كبير، فإن الوضع المائل الذي أخذته في البداية يتلاشى تدريجيًّا، وتأخذ الطبقات في النهاية وضعًا أفقيًّا.
وأما عن أشكال التطبُّق، فيوجد «التطبُّق المألوف»، وهو الغالب والشائع في الطبيعة. وفي هذا النوع يكون وضع الطبقات أفقيًّا، ولا يوجد ما يميز الطبقات كالتكرار والتدرج والتقاطع. ويوجد «التطبُّق المتقاطع»، ويحدث حينما تترسب الرواسب الرملية بزاوية معينة على سطح ترسيب مائل، مثلما نجد في مصبات الأنهار. ويبلغ معدل ميل الزاوية نحو 20 درجة. ويوجد «التطبُّق المتدرج»، ويحدث عندما تنخفض سرعة التيارات المائية، فيحدث ترسيب الفتات الصخري المحمول بواسطة هذه التيارات؛ إذ تجرى له عملية فرز، فيترسب الفتات الأكبر والأثقل، ثم يتدرج حسب حجمه من الأكبر إلى الأصغر.
ويوجد مبدأ مشهور في أوساط المـتخصصين يُدعى «مبدأ النسقية»، وينص على أن «الحاضر هو مفتاح الماضي»؛ وهذا يعني أن العمليات الجيولوجية المختلفة التي تعمل في الوقت الحاضر على تشكيل سطح الأرض هي العمليات نفسها التي شكلت سطح الأرض في الأزمنة الجيولوجية القديمة.
ولمعرفة التاريخ الجيولوجي لمنطقة ما، يجب وصف الصخور البارزة في هذه المنطقة. وحتى نتمكن من وصف تتابع الطبقات، نحتاج إلى تجزئتها إلى أقسام وأصناف بطريقة علمية. والوحدات الأساسية المستعملة في تصنيف تطبق الصخور تُسمى وحدات التقسيم الصخرية. وهي مجموعة طبقات من الصخور فيما بينها خصائص صخرية معينة تمتاز بها عن الطبقات المجاورة، وتلك الوحدات هي: المـُتكون، والمجموعة، والعضو، والطبقة.
***********************
كوكب الأرض عالم مليء بكل ما هو مُذهل ومُحير ومُثير للتساؤل. ويحاول العلماء والمتخصصون طوال الوقت فهم ألغازه وأحاجيه كي تتضح الصورة الكبيرة والحقائق رويدًا رويدًا. وكانت هذه رحلة صغيرة في عالم الطبقات والطيات، وأنتظر بفارغ الصبر اصطحابكم قريبًا في رحلة أخرى لنكتشف المزيد من الأسرار.
المراجع
Charles W. Finkl (1984), Applied Geology.
R. K. Bopche (2017), Objective Applied Geology.