البرق من الظواهر الطبيعية التي تثير انتباه الإنسان لما لها من طاقة هائلة ووميض خاطف، ولكن هل تعلم بوجود أحد أنواع البرق الذي يحدث عند ثوران البركان؛ يُعرف باسم البرق البركاني؟
ترتبط ظاهرة البرق بمفهوم الكهرباء الساكنة؛ وهي تراكم الشحنات الكهربائية على سطح جسم معين دون تدفقها في صورة تيار كهربائي. ومن طرق إنتاج الكهرباء الساكنة الاحتكاك؛ فعند احتكاك مادتين ببعضهما بعضًا، تتراكم الإلكترونات على مادة ما وتقل في المادة الأخرى. فبعض المواد لديها قوة أكبر لجذب الإلكترونات من فقدها؛ فعلى سبيل المثال، عند دلك بالون بشعرك، تنتقل الإلكترونات من الشعر إلى البالون، وتتراكم الشحنات السالبة عليه فيستطيع جذب الأشياء الخفيفة مثل قصاصات الورق.
يحدث البرق عندما تتراكم الشحنات الكهربائية داخل السحب، نتيجة تصادم جسيمات الجليد فيها بفعل الرياح العالية، مما يؤدي إلى انطلاق الإلكترونات وتجمعها في جزء معين من السحابة؛ فيصبح هذا الجزء سالب الشحنة، في حين يصبح الجزء الآخر موجب الشحنة. وعند ازدياد فرق الشحنات بينهما، يحدث تفريغ كهربائي على هيئة وميض البرق. وتتشابه هذه العملية مع ما يحدث خلال الثوران البركاني؛ حيث تصطدم الجسيمات في سحابة الثوران البركاني ببعضها بسرعة عالية، مما يؤدي إلى تراكم الشحنات الكهربائية. وعندما يصبح الفرق بين الشحنات هائلًا، يحدث التفريغ الكهربائي في صورة البرق البركاني، الذي غالبًا ما يظهر في المراحل الأولى من الثوران.
يحدث البرق البركاني في العمود البركاني المكوَّن من الرماد، ونادرًا ما يحدث في البراكين التي لا ينبعث منها عمود سميك من الرماد. ومن العوامل المؤثرة أيضًا في حدوث البرق البركاني، ارتفاع طول عمود الدخان للبركان؛ فإذا كان ارتفاعه أعلى من 7 كيلومترات، زادت احتمالية حدوثه، وأما في الأعمدة القصيرة فيقل احتمال حدوث البرق البركاني.
كذلك كلما كان ثوران البركان أقوى، كلما كانت كمية الشحنات أكثر وكان البرق أشد؛ ففي يناير 2022، رُصدت نحو 400 ألف صاعقة في خلال ست ساعات من ثوران بركان هونجا تونجا–هونجا هاباي. ولا تحدث ظاهرة البرق البركاني في كل البراكين، فمثلًا هي ظاهرة شائعة الحدوث في تشايتين بتشيلي، ولكنها نادرة الحدوث في براكين هاواي.
ومن فوائد البراكين أنها تطلق الغازات في الغلاف الجوي؛ وقد ربط العلماء بين البرق البركاني وتثبيت النيتروجين في الغلاف الجوي. فالنيتروجين الموجود في الغلاف الجوي يتكون من ذرتين مرتبطتين معًا لتكوين جزيء النيتروجين، وهي رابطة قوية للغاية. وتستطيع بعض الكائنات الحية كسر هذه الرابطة، ولكن يتطلب تكسيرها بعيدًا عنها طاقة عالية؛ مثل طاقة البرق البركاني.
كذلك درس فريق من العلماء الرواسب البركانية في مناطق مختلفة من وسط تركيا وجنوب بيرو، ودهشوا من كمية النترات بها، والنترات مركب مكوَّن من ذرة نيتروجين مع 3 ذرات من الأكسجين؛ وعرفوا أن مصدر الأكسجين جزيء الأوزون الموجود في الغلاف الجوي وليس من الكائنات الحية. وبناءً على معرفة تركيز النيتروجين في العينات، قدروا حجم النيتروجين الناتج من الثوران البركاني بنحو 60 تيراجرام (أي 10 أضعاف كتلة أهرامات الجيزة). ويُبرز هذا الاكتشاف الدور الحيوي للبراكين في دورة النيتروجين على الأرض، إذ يوضح أن الثوران البركاني ليس مجرد ظاهرة جيولوجية تطلق الحمم والرماد، بل تساهم أيضًا في إطلاق كميات هائلة من النيتروجين إلى الغلاف الجوي.
لا يقتصر دور البرق البركاني على تثبيت النيتروجين فحسب، بل يمكن أن يساهم أيضًا في إثارة تفاعلات كيميائية عديدة، مثل تحويل الفوسفور في بعض الصخور إلى مركبات قابلة للاستخدام الحيوي، مثل الفوسفات؛ مما يتيح للكائنات الحية الاستفادة منه في بناء الأحماض النووية وتكوين الأغشية الخلوية.
*************************
في الختام، إن البرق البركاني إضافة إلى كونه ظاهرة طبيعية مذهلة، له دور في تحويل بعض العناصر إلى أشكال قابلة للاستخدام الحيوي؛ مما يكون قد أسهم في تطور الحياة المبكرة على الأرض، كما يساعد فهم هذه العمليات على توضيح تأثير البراكين على المناخ ودورة العناصر الحيوية.
المراجع
https://eos.org/articles/volcanic-lightning-may-have-retooled-the-nitrogen-needed-for-life
https://hilo.hawaii.edu/csav/lightning.php
https://scitechdaily.com/volcanic-lightning-the-science-behind-this-spectacular-phenomenon/
الذرة أصغر وحدة بنائية للمادة، وتحتوي على جسيمات دون ذرية موجبة الشحنة؛ تُعرف باسم «البروتونات»، وجسيمات دون ذرية سالبة الشحنة؛ تُعرف باسم «الإلكترونات»، وجسيمات دون ذرية متعادلة الشحنة؛ تُعرف باسم «النيوترونات».