أيهما يسبق: علم الفلك النظري أم التطبيقي؟

شارك

السباق بين العلم النظري والتطبيقي على أشده، وبخاصة في مجالي علوم الفلك والفضاء. ويقصد بالعلم النظري أو البحوث النظرية وضع افتراضات أو تصورات لموضوع معين أو عن جرم فلكي ما، وتقديم نموذج حل أو تصور متكامل، ولكن دون تقديم إثبات عملي ملموس. والإثبات العملي والملموس في مجال علوم الفلك والفضاء يقصد به الرؤية أو الرصد الحقيقي وبأية وسيلة من وسائل الرصد.

وقد يوضح لنا هذا السباق رؤية أو معتقد وكالات الفضاء الدولية، وعلى رأسها بالطبع وكالة ناسا الفضائية، في المشروعات التي تتبناها وتنفق عليها المليارات وتحشد لها الطاقات. فأي مشروع لإطلاق مركبة فضائية خارج كوكب الأرض يكون محمَّلًا بكم ضخم من الأسئلة النظرية الناتجة عن كم أضخم من الأبحاث النظرية، والمطلوب أو المنتظر من هذا المشروع أن يجيب عنها، ويؤكدها أو ينفيها. فوصول الإنسان إلى القمر في ستينيات القرن العشرين كان يسبقه أبحاث ونظريات عن إمكانية التحليق –أساسًا– حول الأرض، ودراسات نظرية عن إرسال إنسان أو كائن حي في مركبات إلى مجال معدوم الجاذبية في الفضاء. وبعد أن تحققت تلك الأحلام، ظهرت قفزة أخرى من البحوث النظرية حول تطوير تكنولوجيا التواصل والاتصالات اللاسلكية؛ فحاولت وكالات الفضاء تقديم إجابات وتطبيقات لتلك البحوث، ولا يزال السباق مستمرًا بين البحث العلمي النظري والتطبيقي.

من أقوى الأمثلة كذلك على هذا السباق مشروع أطلقته وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في 19 يناير 2006 إلى «نظام بلوتو وحزام كيبر». وفي ذلك الحين كانت نظرة العلماء والبحوث النظرية إلى بلوتو على أنه الكوكب التاسع؛ فأطلقوا اسم «نظام بلوتو» للإشارة إلى كوكب بلوتو وما يدور حوله من أقمار. اسم هذا المشروع «نيو هورايزونز»، وكانت التساؤلات العلمية التي كان مأمولًا أن يجيب عنها مقدمة من الأكاديمية الوطنية للعلوم؛ فدارت حول مكان بلوتو تحديدًا من حزام كيبر، والذي يمتد من بعد كوكب نبتون إلى حدود مدار بلوتو. والأسئلة النظرية المعلنة عن بلوتو وأقماره كانت: هل الطبيعة الصخرية لبلوتو مشابهة لتلك الموجودة على الكواكب الداخلية (عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ)؟ ما طبيعة أقمار بلوتو الخمسة؟ وماذا عن مداراتها؟ ومأمول من نتائج «نيو هورايزونز» تقديم تصور عن ظروف نشأة حدود مجموعتنا الشمسية الخارجية.

وصل «نيو هورايزونز» إلى هدفه بالفعل في 14 يوليو 2015، و«بلوتو ونظامه» لا يعبأ بالجدل الذي أثير عام 2008 عن تصنيف العلماء لبلوتو؛ إذ قدم لفريق العمل البحثي بناسا والمسئول عن تتبع المشروع واستقبال نتائجه صورًا غاية في الدقة والوضوح عن سطح بلوتو، وأقماره، ومعلومات أكثر لم يتم الإفصاح عنها على الموقع الإلكتروني للمشروع. هذه الصور والنتائج شجعت متخذي القرار بالحكومة الأمريكية، وتحديدًا فيما يخص وكالة ناسا، على تمديد مهمة «نيو هورايزونز» حتى عام 2020؛ بمعنى استمرار متابعته واستقبال صور من كاميراته ودراستها، وأن تكمل المركبة رحلتها إلى ما بعد بلوتو وإلى آخر حدود المجموعة الشمسية.

لم تقف جهود وجدول مشروعات ناسا عند بلوتو فقط، بل ما زالت أبصارهم معلقة إلى المركبة جونو، وهو مشروع آخر تم إطلاقه في 5 أغسطس 2011 إلى كوكب المشتري؛ حيث وصلت مبتغاها بالفعل في 2 يوليو 2016. وعلى الرغم من أنه قد يبدو للبعض أننا قد استوفينا معلوماتنا عن المشتري؛ فإن البحوث والأسئلة النظرية ما زالت تتفاقم حول غلافه الجوي وظروف الطبقة المغناطيسية التي أثارت حفيظتهم حول تكوين هذا الكوكب العملاق.

ولا يزال السباق مستمرًّا.


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2017.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية