الجدول الدوري تحت العدسة المكبرة

شارك

«احتاج العلماء إلى 2200 سنة، من اليونان في عام 400 قبل الميلاد إلى أوروبا عام 1800، لفهم حقيقة العناصر؛ حيث إن معظمها مستمرة في التغيير»، كما أشار سام كين في كتابه المثير «الملعقة المتلاشية».

بدأ البحث عن الأنماط في المادة وتصنيفها منذ العصور القديمة. ففي عصر أرسطو، كان أساس كل شيء الماء والنار والأرض والهواء. ومع مرور الوقت، أدت الكثير من الملاحظات والتجارب، بالإضافة إلى اكتشاف عناصر جديدة، إلى ظهور نظام تصنيف علمي للعناصر على أساس الخصائص والسلوكيات المشتركة؛ وهو ما يُعرف باسم الجدول الدوري.

كان هناك 63 عنصرًا معروفًا في الوقت الذي بدأ فيه مندليف بترتيب العناصر في جدوله الدوري. وأول عنصر في الجدول الدوري هو الهيدروجين؛ فهو أبسط العناصر: له إلكترون واحد يدور حول بروتون واحد وليس به أية نيترونات. بإمكان الهيدروجين أن يرتبط بعناصر أخرى لتشكيل مركبات، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو اندماج اثنتين من ذرات الهيدروجين مع ذرة أكسجين واحدة لتشكيل الماء (H2O). ومن ناحية أخرى، فإن آخر عنصر تم إضافته إلى الجدول الدوري هو الأنونوكتيوم ورمزه المؤقت هو (Uuo). يمتلك الأنونوكتيوم أكبر عدد ذري وأكبر كتلة ذرية من بين جميع العناصر التي تم اكتشافها.

من بين 118 عنصرًا في الجدول الدوري، لا يوجد سوى 92 عنصرًا طبيعيًّا، ولا يمكن إيجاد بعض العناصر إلا من خلال التحلل الإشعاعي(1) لعناصر طبيعية أخرى. أما باقي العناصر فهي عناصر اصطناعية يتم إنتاجها بمساعدة من الإنسان، وعادة ما يكون ذلك في مسرعات الجسيمات. وأول العناصر التي تم إنتاجها اصطناعيًّا هو التكنيتيوم وعدده الذري 43، وكل شكل من أشكاله مشع. وكان مندليف قد توقع معظم خصائص التكنيتيوم حتى قبل اكتشافه.

أحد أندر العناصر في العالم هو الفرانسيوم، وهو آخر عنصر تم اكتشافه في الطبيعة وليس عن طريق التوليف. ينتج هذا العنصر من تفتت وتحلل الأكتينيوم، وعمره قصير لا يتجاوز دقائق معدودة. والفرانسيوم نادر جدًّا خارج المعمل؛ فعلى حسب تقديرات العلماء لا يوجد أكثر من بضعة أوقيات من الفرانسيوم على الأرض. ويُستخدم الفرانسيوم لإجراء الأبحاث في مجالات الأحياء والتركيب الذري.

حسب الكتلة، فإن الأكسجين هو ثالث أكثر العناصر وفرة في الكون بعد الهيدروجين والهليوم، كما أنه أكثر العناصر وفرة في قشرة الكرة الأرضية؛ حيث يشكل ما يقرب من نصف كتلة القشرة. الأكسجين هو عنصر غير معدني شديد التفاعل ويشكل مركبات مع كل العناصر الأخرى تقريبًا. وتفاعل الأكسجين الحر كيميائيًّا شديد للغاية فلا يظهر على الأرض بدون عملية التمثيل الضوئي عن طريق الكائنات الحية، والتي تستخدم الطاقة من أشعة الشمس لإنتاج الأكسجين من المياه. ولأن الأكسجين يشكل معظم كتلة المياه فهو يشكل معظم حجم الكائنات الحية.

على صعيد آخر، فهناك 38 نوعًا من المعادن الانتقالية بين المجموعتين 3 و12 في الجدول الدوري؛ وهذه المعادن مرنة ولينة وموصلات جيدة للحرارة والكهرباء. من المعادن الانتقالية الأكثر وفرة: النحاس والكوبالت والحديد والنيكل؛ وهناك أنواع أخرى أقل وفرة منها السكانديوم والنيوبيوم. الحديد والكوبالت والنيكل هي المعادن الانتقالية الوحيدة التي يمكن أن تنتج مجالاً مغناطيسيًّا.

ومن ناحية أخرى، تجمع سبعة عناصر في الجدول الدوري ما بين خصائص الفلزات واللافلزات؛ تُعرف هذه العناصر بأشباه المعادن، وتضم البورون والسليكون والجرمانيوم والزرنيخ والأنتيمون والتلوريوم والبولونيوم. بعض أشباه المعادن، كالسليكون والجرمانيوم، شبه موصِّلة للحرارة والكهرباء، الأمر الذي يجعلها مفيدة في أجهزة الكمبيوتر والآلات الحاسبة.

أما الغازات النبيلة، والمعروفة أيضًا بالغازات الخاملة، فهي مجموعة من العناصر الكيميائية ذات خصائص متشابهة تحت الظروف القياسية؛ فهي عديمة اللون والرائحة وتفاعلها الكيميائي ضعيف جدًّا. والغازات النبيلة الستة هي: الهليوم والنيون والأرجون والكريبتون والزينون والرادون المشع. وقد ساعد اكتشاف الغازات النبيلة في تطور الفهم العام للهيكل الذري، كما تُستخدم الغازات النبيلة في تطبيقات مهمة ومتعددة في الصناعة مثل الإنارة واللحام واستكشاف الفضاء.

وتتوافق صفة "النبل" مع الهليوم، أو العنصر الثاني؛ فله نفس عدد الإلكترونات التي يحتاج إليها لملء المدار الوحيد في ذرته. وهذا التكوين "المغلق" يعطيه استقلالية كبيرة فلا يحتاج إلى التفاعل مع ذرات أخرى لتبادل أو سرقة الإلكترونات لإشباع ذرته، وهو نفس التكوين المغلق الذي يمتد إلى أسفل العمود 18 من الجدول الدوري. كان يمكن للعلماء التعرف على حقيقة العناصر إذا ما اكتشفوا الهليوم مسبقًا؛ فهو لم يتفاعل مع أي عنصر آخر أبدًا ولا يتواجد سوى كعنصر نقي.*

في العمود المجاور من ناحية الغرب تقع الهالوجينات وهي أكثر الغازات نشاطًا وتفاعلاً.* والهالوجينات هي خمسة عناصر لا فلزية موجودة في المجموعة 17 من الجدول الدوري، وتسمى المركبات التي تحتوي على الهالوجينات بالأملاح. تتوفر الهالوجينات في درجة حرارة الغرفة في الحالات الثلاث للمادة: الصلب (اليود والأستاتين)، والسائل (البرومين)، والغاز (الفلور والكلور).

وإذا ما اعتبرنا أن الجدول الدوري عبارة عن خريطة، فإلى شرق الغازات النبيلة نجد العمود الأول؛ حيث توجد العناصر الأكثر عنفًا والمعروفة باسم الفلزات القلوية. وعلى الرغم من كونها فلزات عادية في بعض النواحي، فإن القلويات يمكنها أن تحترق تلقائيًّا في الهواء أو الماء، بدلاً من أن تتعرض للصدأ أو التآكل. كما أنهم قد يشكلون حلفًا مع غازات الهالوجين.*

يُعتبر الجدول الدوري بتاريخه المثير وخصائصه المذهلة أرضًا خصبة للاكتشاف العلمي، لذلك علينا أن نمعن النظر إليه من خلال العدسة المكبرة وأن نفكر طويلاً وعميقًا فيما نراه.

 


إذا أحببت هذا الموضوع، فسترغب أيضًا في تصفح هذا الدليل التفاعلي عن الجدول الدوري للتكنولوجيا (باللغة الإنجليزية) ويوضح الاستخدام اليومي للعناصر في التكنولوجيا؛ وأنشأته The Beacon on Fios.Verizon.com, a Verizon authorized retailer.

المصطلحات

  1.  التحلل الإشعاعي: هو تفتت طبيعي لنواة الذرة يؤدي إلى انبعاث الطاقة والمادة من النواة. هناك ثلاثة أنواع من التحلل الإشعاعي: تحلل ألفا وتحلل بيتا وتحلل جاما. يمكنك معرفة المزيد عن طريق زيارة الموقع التالي: http://www.ndt-ed.org/EducationResources/HighSchool/Radiography/radioactivedecay.htm
  2. (*) نقلاً عن كتاب «الملعقة المتلاشية» بقلم سام كين، 2010

المراجع

chemistry.about.com
www.ehow.com
www.chemicalelements.com
www.ndt-ed.org
en.wikipedia.org


هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في «نشرة مركز القبة السماوية العلمي»، عدد صيف 2011.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية