الأرض من منظور مختلف

شارك

بدأت مهمات أبولو كحلم قديم من عمر البشرية؛ حلم هبوط الإنسان على القمر والعودة إلى الأرض سالمـًا. ذهب رواد الفضاء في تلك المهمات مكلفين بمجموعة من الأهداف المرتبطة بشكل رئيسي بعلوم الفضاء، فلم يتوقع أي منهم أن بانتظارهم في الفضاء تجربة مغيرة للحياة؛ تجربة من شأنها تغيير منظورهم للحياة على الأرض، ودفعهم إلى تحقيق أهداف فلكية ومجتمعية في إطار موحد متكامل بعناية.

كانت مهمة أبولو 8 هي البداية، عندما ذهب فريقها المكون من جيمس لوفيل، وويليام أنديرس، وفرانك بورمان إلى المكان الذي لم تطأْه قدم بشرية من قبل. فلم يكونوا مهيأين للمشهد الآخاذ لكوكب الأرض متوهجًا باللونين الأزرق والأخضر فوق سطح القمر القاحل. كانت تلك التجربة فريدة من نوعها، فجعلتهم يرون الأرض من منظور مختلف. وبعد الرحلة قال ويليام أندريس: «أعتقد أننا ذهبنا إلى القمر لاستكشافه، ولكن ما فعلناه حقًّا أثناء مهمة أبولو 8 هو أننا استكشفنا الأرض».

«تلك خطوة صغيرة لإنسان، ولكنها قفزة هائلة للجنس البشري»
نيل آرمسترونغ.

ردد هذا الاستكشاف شيئًا عميقًا بداخلهم، محدثًا تحولًا عقليًّا يطلق عليه «تأثير النظرة العامة»، والذي اختبره عديد من رواد الفضاء بعد ذلك. ويمكن شرح هذا المفهوم أنه تحول إدراكي في الوعي، سببه رؤية الأرض من الفضاء الخارجي واختبار حقيقة الأرض في الفضاء. فرؤية تلك الكرة الضئيلة الهشة معلقة في الفراغ، يغذيها غلاف جوي رفيع كالورقة ويعمل درعًا لها، كان له عظيم الأثر في زيادة تحسسهم تجاه موقعهم في العالم، وعمل كنشوة مترابطة بنزعة ملحة للتركيز في وحدة الكوكب والجنس البشري.

وصف مايكل كولينز (أبولو 11) هذا التحول في الوعي كما يلي: «الشيء الذي فاجأني حقًّا هو أن الأرض عكست شعورًا بالهشاشة؛ ولكن لماذا؟ لا أعرف؛ حتى يومنا هذا لا أعرف. لقد انتابني شعور بأنها ضئيلة ولامعة، وهي الوطن، وهي هشة». في حين وصفها راستي شويكارت (أبولو 9) بأنها شعور بأن العالم كله متصل بعمق: «عندما تدور حول الأرض في خلال ساعة ونصف الساعة، فإنك تبدأ في ملاحظة أن هويتك هي جزء من كل هذا. وهذا يُحدث تغييرًا؛ فيأتيك حدس قوي أنك جهاز استشعار الجنس البشري».

فمن موقعهم في الفضاء، بدت لهم الأماكن المتباعدة على الأرض قريبة إلى درجة عدم الانفصام، وكل الحدود التي كانت فيما سبق تدل على التقسيم قد تبخرت بدورها، وبدت الإنسانية متلاحمة سويًّا.

ربما لم يكن يشكل ذاك المنظور عن الأرض أهمية بالنسبة إلى علوم الفضاء، ولكنه أثر في رواد الفضاء بتلك المهمات تأثيرًا مباشرًا؛ فأذهلهم إمكان تبخر الحدود بين الدول وتلاشيها، وانتهاء الصراعات التي تقسم الناس، سواء أكانت لأسباب سياسية أم اقتصادية أم لأسباب مختلفة أخرى. ولقد أشعل هذا غريزتهم للتحدث عن إمكان سد الفجوة بين الناس؛ للحصول على حياة أفضل تخلو من الفقر، والجوع، والأمراض... إلخ. 

«لقد صعدنا إلى فوق بصفتنا تقنيين، وهبطنا إلى أسفل بصفتنا إنسانيين»
إدجار ميتشل، أبولو11.

باختصار، كانت تلك التجربة نقطة تحول وحافزًا للتغيير في الإدراك الذاتي والخبرة المجتمعية لرواد الفضاء. ولم يتلاشَ تأثير هذا التحول الإدراكي من أذهانهم؛ ففتح أعينهم على احتمالات كثيرة لعالم أفضل عن طريق استخدام الأدوات التي لدينا بالفعل لتحسين حياتنا.

المراجع

businessinsider.com

space.com

theguardian.com

universetoday.com


من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية