هل المستقبل الديستوبي للتكنولوجيا مُقدر لنا؟

شارك

مع دخول عصر التكنولوجيا الرقمية، تسارعت وتيرة التغيير بصورة كبيرة، وواكبها تغير الطرق التي تعمل بها المجتمعات. فلا تستطيع تجاهل تأثير تلك التكنولوجيا الرقمية إلا إذا كنت تعيش في مكان معزول ومنفصل عن العالم.

تتسم التكنولوجيا في نفسها بالحيادية؛ إلا أنها قد تأتي بثمارها الطيبة، أو قد تصب لعناتها وفقًا لطريقة استغلالها. وكما يقول المؤرخ الأمريكي لين تاونسند وايت جونيور، فإن: «التكنولوجيا تفتح أبوابها، ولكنها لا تجبر الإنسان على الدخول».

بعض الناس متشائمون بعض الشيء بشأن مستقبل التقدم التكنولوجي، وما سيعنيه بالنسبة إلى تطور البشر. ويتجلى هذا في تنامي شعبية أفلام الخيال الديستوبي وبرامجه. وهو ليس بنوع فني جديد؛ إذ سبقته الروايات الأدبية الديستوبية مثل «عالم جديد شجاع»، و«ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون». حتى تلك الأعمال لم تكن أول ما ألقى بنظرة تشاؤمية إلى ما قد يعنيه التقدم التكنولوجي للمجتمع.

فمع تزايد إدمان الناس للألعاب ولقضاء أوقات طويلة أمام الشاشات، لوحظ تغيير في صحة الإنسان النفسية. بالإضافة إلى هذا، فكثيرًا ما تُستخدم التكنولوجيا الرقمية الجديدة لمراقبة الأشخاص دون علمهم. وقد نبهت مثل تلك الإشكاليات كثيرين لدق أجراس الإنذار؛ ولكن هل توجد ميزة لمثل هذا الموقف المحترز؟ ولكي نستكشف وجهة النظر تلك، سيكون من المفيد إلقاء نظرة على التكنولوجيات المستجدة في هذه الآونة، والتي قد تكون سببًا في نظرة بعض الناس القاتمة إلى المستقبل.

تعدُّ نظم تعرُّف الوجه تقنية مزدهرة، وربما تكون صادفتها بالفعل إذا كنت تمتلك هاتفًا ذكيًّا يستخدم مُعرِّف الوجه لفتحه. استُحدثت تلك التقنية في عام 2017، وهي تعمل من خلال عمل خريطة ثلاثية الأبعاد لوجهك وتخزينها في الجهاز. ففي كل مرة تنظر فيها إلى هاتفك، تتعرف تلك التقنية إلى وجهك. ويتم هذا من خلال كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء تلتقط ملامحك، ليُفتح الهاتف إن تطابقت صورتك مع الصورة المخزنة. تجعل هذه التقنية الولوج إلى هاتفك أمرًا سريعًا وسهلًا.

وبينما يُعد هذا التطبيق لتقنية تعرف الوجه غير مؤذٍ، توجد استخدامات أخرى تلقى قدرًا ليس بهين من المعارضة. إذ توجد طريقة أخرى لتطبيق تعرُّف الوجه تتمثل في مقارنة ملامح وجه شخص ما بقاعدة بيانات للأوجه. وهي تقنية أمكن تحقيقها من خلال الدمج بين علم المقاييس الحيوية والذكاء الاصطناعي. والقوات الأمنية مهتمة بشكل كبير بتلك التقنية الجديدة؛ إذ تمكِّنهم من التعرف إلى المشتبه بهم الخطرين من بين حشد من الناس.

ولكن ثبَتَ أن اللوغاريتمات التي تقوم عليها تلك التقنيات غير محايدة؛ بمعنى أنه يسهل التعرف إلى الأشخاص ذوي البشرة البيضاء مقارنة بغيرهم؛ وهذا التحيز العنصري سبب مشكلات بالفعل. ففي عام 2019، وجد باحثون بالمعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا أن لوغاريتمات تقنية تعرُّف الوجوه فشلت في التعرف إلى أوجه الأمريكيين من أصول آسيوية وإفريقية بنسب تتراوح من عشر إلى مائة مرة، مقارنة بذوي البشرة البيضاء. ومن شأن هذا أن يؤدي إلى حالات من الالتباس في تحديد الهوية، واعتقال أشخاص وسجنهم عن طريق الخطأ – وقد حدث ذلك بالفعل – وذلك كله بسبب عدم دقة تلك اللوغاريتمات.

كانت توجد دعوات لوقف استخدام تقنية تعرُّف الوجه؛ لأنها تأتي بنتائج غير دقيقة في حالتها الحالية؛ ما يلقي بآثار سلبية على الأفراد الضعفاء. فإن قُبِض عليك أو سُجِنت عن طريق الخطأ، فسيرِد ذلك في سِجلك، وقد تواجه صعوبات مستقبلية عندما تبحث عن وظيفة، أو منزل، حتى عند استخدام الخدمات المصرفية. وإلى حين تطوير نظم أعلى تقنية، تنادي شركات ومؤسسات تكنولوجية عملاقة كثيرة بوقف استخدام تقنية تعرُّف الوجه.

تعمل مختلف شركات الذكاء الاصطناعي على تطوير تقنية تعرف الوجه، ويركز بعضها في «التعرف إلى الأقليات»، أو في تضمين ذلك الخيار في لوغاريتماتها. هذا، وتُستخدم تقنية تُعرف بتعلُّم الآلة لتدريب نظم الذكاء الاصطناعي على تعرُّف ملامح وسمات معينة عن طريق تغذية النظام بالبيانات.

وليس التنميط الرقمي العرقي الشيء الوحيد الذي تُستخدم من أجله برمجيات تعرُّف الوجه وكاميرات المراقبة. فإن كنت تستخدم أحد تطبيقات الهواتف الذكية الخاصة بالنقل، فإنك تعرف أن السائقين وكذلك العملاء يُقيَّمون تقييمًا تراكميًّا على التطبيق؛ ما قد يؤثر في تجربتهم. هذا، ويحدد سلوكك التقييم الذي تحصل عليه، والذي يحدد بدوره إن كان بإمكانك الاستمرار في استخدام الخدمة أو الانتفاع بمميزات معينة أم لا.

تطمح الصين في تطوير مثل هذا النظام، ولكن على المستوى القومي؛ إذ وضعت الدولة الفكرة في عام 2014 وطورت مختلف المقاطعات برمجياتها الخاصة. فالتقنية لا تزال في مرحلة التجريب، ولكن الأمر برمته يسهم في الوصول يومًا ما إلى نظام مركزي واحد. يُقدَّم نظام الرصيد الاجتماعي بوصفه حلًّا لمشكلة مستعصية في المجتمع الصيني، وهي النقص الملحوظ في الثقة. فدائمًا ما تنتشر وقائع الاحتيال الاقتصادي والاجتماعي على منصات التواصل الاجتماعي، مخلفةً إحساسًا بأنه لا يمكن الوثوق بالناس. وتريد الحكومة تطوير مجتمع شفاف تمامًا للحدِّ من الفساد والاحتيال، ومكافأة المواطنين الصالحين والشركات الجيدة، وتعزيز مفهوم الثقة.

وقد ثبت بالفعل أنه من شأن التكنولوجيا إعادة إنتاج التحيز الموجود لدينا نحن البشر والتأثير في الناس سلبيًّا. ما زال علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كانت تلك القضايا ستُحل في المستقبل، ولكن كثير من الناس قلقون بشأن ما سيأتي بعد.

المراجع

abc.net.au
britannica.com
forbes.com
nbcnews.com
nytimes.com
pewresearch.org
pocket-lint.com
theatlantic.com
theconversation.com
theverge.com
wired.co.uk
wired.com


*هذا المقال منشور في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2020.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية