المقالات

العدسة جزاز!

شارك

خرجت من منزلها بعد شهرين كاملين لم تخرج فيهما قط، وبعد قراءات طويلة عن تعليمات الوقاية من فيروس كورونا، وأهمية ارتداء الكمامات للحد من انتشاره، ارتدت ملابس الخروج ووضعت كمامتها الطبية في حماس طفل يستعد لاحتفالات العيد رغم قلقها مما يشهده العالم، ولكن بعد خطوات قليلة بالخارج رأت البخار يتراكم على نظارتها الطبية حتى انعدمت الرؤية تمامًا!

تربطها بالنظارات الطبية علاقة طويلة، فهي أول ما تبحث عنه في الصباح وترتديها منذ سن الثانية عشرة، فهي ضوء حياتها إن جاز التعبير، ولكنها لم تشك يومًا أنها ستصبح عائقًا أمامها. فهل تتخلى عن نظارتها بهذه السهولة؟ أم تتخلى عن ذلك الرفيق الجديد؟ هل ضريبة الحفاظ على النفس والآخرين ألا ترى شيئًا؟! لم تقف أمام تساؤلاتها كثيرًا لأنها تدرك أهمية الكمامة في مثل هذه الأيام بقدر ما تدرك أهمية نظارتها الطبية، فقررت أن تمضي يومها بالاثنين مهما كان ما يحدث.

بدأت رحلتها لثمان ساعات خارج المنزل، حاولت خلالها تطبيق الممارسات الصحية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية عن ارتداء الكمامة ونزعها، فقد حفظتها عن ظهر قلب. وتأكدت من تغطية الفجوات بين الكمامة ووجهها، وتجنبت رفعها بعيدًا عن أنفها وفمها وذقنها، وتجنبت إمساك الكمامة، ولكن للأسف مع وجود النظارة، اضطرت للمسها كثيرًا، إلا إنها كانت تغسل يداها بعدها مباشرة. وعندما كان يحجب البخار الرؤية تمامًا، كانت تغسل يداها وتنزع النظارة وتنظفها بمنديل ورقي ثم ترتديها مرة أخرى وتلقي المنديل ثم تغسل يداها مباشرة حتى شعرت في النهاية بضغط وتعب شديد.

عادت إلى المنزل محبطة، وأمسكت الكمامة من الرباط وتخلصت منها في سلة مغلقة، ثم غسلت يداها ووجهها بالماء والصابون، وكل ما تفكر فيه، لقد مر اليوم ولكن ماذا عن الغد؟ قررت البحث عن سبب المشكلة وحلها، فوجدتها مشكلة عالمية وقرأت تفسيرًا عرضه المركز الوطني للمعلومات الحيوية في دراسة أوضحت أن في أثناء عملية التنفس، يصدر من الأنف والفم هواء دافئ، ولكن نتيجة اصطدام هذا الهواء بالسطح الداخلي للكمامة، يتجه إلى أعلى ويتكثف على سطح أكثر برودة، وهو عدستي النظارة الزجاجية، فتتشكل عليها القطرات نتيجة خاصية التوتر السطحي؛ إذ تلتصق جزيئات القطرات بالجزيئات المجاورة لها ويحدث ترابط قوى بينها فتتكون طبقة تؤثر على الرؤية.

ومن هذا المنطلق، بحثت عن الحلول، فقرأت عشرات النصائح، منها لصق شريط طبي على الوجه لسد الفجوات بين الكمامة وبينه، أو رش بعض المواد على العدسات، أو ارتداء الكمامة المناسبة لحجم الوجه وضبط الدعامة لسد الفراغات بين العينين والخدين. وأخيرًا، قرأت دراسة أخرى نصحت بغسل النظارة بالماء والصابون مع التأكد من أنه يناسب العدسات، ثم تركها لتجف في الهواء أو باستخدام نسيج ناعم قبل ارتدائها مرة أخرى ثم ارتداء الكمامة. فهذه العملية تترك على العدسة طبقة رقيقة من نشطات السطح؛ وهي مركبات بها أجزاء كارهة للماء، تقلل من عملية التوتر السطحي، فتنتشر جزيئات الماء بالتساوي في شكل طبقة شفافة على العدسة.

وبعد تجربة بعض هذه الحيل، حُلت مشكلتها مؤقتًا ولكن الأمر كان يستحق المحاولة. ولكنها أدركت في نهاية رحلتها مع البحث أن ما أجهدها في ساعات قليلة لا يضاهي ما تواجهه الأطقم الطبية يوميًّا بعدما قرأت كيف قد تعقوهم هذه المشكلة عن العمل بكفاءة، مثلًا عند سحب عينات الدم، أو عن حماية أنفسهم، بل قد تصبح المشكلة مؤشرًا لزيادة احتمالات العدوى. فدعت الله أن يحفظهم وأن تنتهي هذه الجائحة قريبًا.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية