أصبحت الصدمة موضوعًا رائجًا في السنوات الأخيرة، ومصطلحًا مستساغًا بين جيلي Z (زد) والألفية في حواراتهم العفوية، وربما عند إلقاء النكات حول بعض الحوادث غير السارة أو البسيطة أحيانًا. فقد أصبح المصطلح نفسه شائعًا جدًّا لدرجة جعلته يبدو بلا أهمية أو لا يمكن أخذه على محمل الجد. وتلك الشعبية المفاجئة ببساطة زادت مع اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي بالتوعية بالصحة العقلية، وظهور ثقافة جديدة تحتفي بفكرة معرفة الذات، وإتاحة كتب المساعدة الذاتية وعلم النفس للجميع. ورغم كل هذا، هل تُعد «الصدمة» مجرد موضوع رائج على الإنترنت؟ أم أمر ينبغي النظر فيه؟ وهل هي مصطلح عابر ذو قيمة ضئيلة أو معدومة؟ أم له تأثير قد يغير حياة الفرد؟ كتاب «ماذا حدث لك؟ محادثات حول الصدمة والمرونة والشفاء» What Happened to You? Conversations on Trauma, Resilience, and Healing تأليف: بروس دنكن بيري وأوبرا وينفري، دراسة متعمقة للبحث في الصدمات، وكيفية تأثيرها في الدماغ.
لا يسعك للوهلة الأولى إلا أن تلاحظ اسم أوبرا وينفري بين المؤلفين؛ فهي منتجة تلفزيونية، وممثلة، ومؤلفة، وإعلامية شهيرة، تقدم منظورًا جديدًا لتلك الرحلة الاستكشافية مع الدكتور بروس دنكن بيري، عالم أعصاب وطبيب نفسي للأطفال، كما أنه مدير مؤسسة الشبكة العصبية التتابعية Neurosequential Network وزميل بارز بأكاديمية صدمات الأطفال Child Trauma Academy. وكذلك لبروس دنكن بيري كتب سابقة تندرج في قائمة أكثر الكتب مبيعًا، ومنها كتابي «الصبي الذي نشأ كلبًا» The Boy who was raised as a Dog و«ولد من أجل الحب» Born for Love. سلطت أوبرا الضوء طوال حياتها المهنية على تجارب الصدمة والاعتداء الجنسي. وفي كتاب «ماذا حدث لك؟» لا تشاركنا أوبرا مقتطفات من المحن التي واجهتها في طفولتها أو تعرضها لصدمات أثارها باقية معها مدى الحياة فحسب، بل أثارت نقاشات مثيرة وقيمة أيضًا مع الدكتور بيري حول تأثير التنشئة المؤلمة على النمو.
ويقول الدكتور بيري إن «الصدمة تتخلل جميع جوانب الحياة؛ فيتردد صداها عبر الأجيال، والعائلات، والمجتمعات المحلية، والمؤسسات، والثقافات، والمجتمعات بأسرها، وهذا يحدث بطرق معقدة للغاية». تشاركنا أوبرا تجربتها مع أشكال الإساءة التي تعرضت لها في صغرها من قبل أفراد مقربين في أسرتها. فيتابع القراء مشاعر عدم الأمان ونقاط الضعف التي عانتها أوبرا والتي أثرت في احترامها لذاتها وصورتها الذاتية لاحقًا؛ كما أضرت علاقاتها ضررًا بالغًا وهي في العشرينيات من عمرها.
يتحدى كتاب «ماذا حدث لك؟» المعتقد القديم بأن الأطفال يتمتعون بمرونة كافية للتعافي بسهولة من أي صراعات أو ضغوط يتعرضون لها في سن مبكرة. فيجب أن نعلم أن التجارب المؤلمة تصبح محفورة في الدوائر العصبية لدى الأطفال؛ مما يؤثر في استجابتهم للضغط، وعلاقاتهم، وعاداتهم غير الصحية طوال حياتهم، وغيرها من القضايا المجتمعية. ويشير د. بيري إلى كيفية تخفيف آثار الصدمات من خلال أربع ركائز للشفاء موجودة في الثقافات التقليدية؛ وهي: التلاحم مع المجتمع والعالم الخارجي، والرقص الإيقاعي وعزف الطبول والغناء، والالتزام بمجموعة من المعتقدات أو القيم ذات المعنى، واستخدام النباتات العلاجية.
بنهاية الكتاب، يتعاطف القراء مع آبائهم وأجدادهم الذين على الأرجح عانوا من صدمات ولم تتاح لهم فرصة بدء الرحلة العلاجية وتجاوز آلامهم. وبالإضافة إلى ذلك، يصبح واضحًا أن حل هذه الشفرات يساعدك على تفسير ردود الأفعال التي قد تبدو غامضة، وآليات البقاء التي تطورت لمساعدتك على الحفاظ على سلامتك بعد التعرض إلى تجربة مؤلمة.
Source: static.macmillan.com
Cover image source: Flatiron Books/Youtube