العلم والفن بطبيعتهما يتماشيان معًا؛ فكلاهما وسيلة للبحث. فمثلما يفعل العلماء يدرس الفنانون الخامات، والأشخاص، والثقافات، والتاريخ، والأديان، والأساطير، وغيرها؛ ليتوصلوا إلى كيفية تحويل المعلومات إلى شيء آخر. وفي اللغة اليونانية القديمة كانت الكلمة المعبرة عن الفن هي «techne»؛ فاشتقت منها كلمتي «تقنية» و«تكنولوجيا»، وكلتاهما مصطلحات تطبق في الممارسات العلمية والفنية على حدٍّ سواء.
لآلاف السنين قام الفنانون والعلماء بابتكار القصص والتصورات عن السماء ومجموعاتها النجمية؛ وذلك لشرح كوننا الهائل. فأنشأت الحضارات القديمة هياكل ضخمة لتفسير الكون؛ في حين طورت أدوات أصغر – مثل المجالات السماوية، والأسطرلابات، وآلات ذات الحلق الفلكية – وذلك للملاحة في المجهول.
وفي حين تزين الزخارف الفلكية معظم الأدوات التي صنعها القدماء؛ إلا أنه حتى عام 1609 لم يقم أحد بتصور الأضواء التي نراها في السماوات كأماكن يمكننا زيارتها. ولكن عندما قام جاليليو بتوجيه التليسكوب الخاص به نحو القمر لأول مرة، ورأى فوهاته، ووديانه، وسفوحه، وجباله، ورسمها، أصبح أول فنانًا فلكيًّا؛ حيث قام بطفرة هائلة نحو تصوير القمر كعالم آخر.
بمجرد أن صورت الكواكب بصفتها أجسامًا مادية تشبه الأرض، افترض الناس أنها مأهولة بالسكان. فكتب جوهانس كبلر أول رواية خيال علمي في عام 1608 تحت مسمى «حلم»؛ حيث روى قصة زيارة للقمر عن طريق وسائل خارقة للطبيعة. في تلك الرواية حاول كبلر أن يتخيل الظروف المعيشية على ذلك العالم الأصغر حجمًا والأبطأ دورانًا. فبفعل الجاذبية المنخفضة «كان كل شيء ضخم الحجم بشكل مهول؛ حيث أن النمو سريع للغاية». ولتفادي الليل القمري الطويل – وتصل مدته إلى أسبوعين – ليس لسكان القمر «ملجأً آمنًا؛ فيتجولون حول عالمهم في مجموعات». هكذا قام كبلر باستنتاج سيناريو منطقي باستخدام المعلومات والحقائق المتاحة.
ولوحة «عالم الفلك» التي رسمها الفنان الهولندي جوهانس فيرمير في عام 1668 هي مثال آخر على الصلة الوطيدة بين العلم والفن؛ حيث تمجد اللوحة عالم فلك، وفي ذات الوقت تحفل بأعمال الفنانين والخامات في عالَم ذلك العالِم. فاللوحة المعلقة على الحائط الخلفي هي لفنان محلي، والسجادة الشرق أوسطية على المائدة صنعها فنان أجنبي؛ حتى ألوان فيرمير نفسها – وهي أصباغ معدنية أرضية ممزوجة بزيت بذر الكتان – وفرشه كانت من صنع حرفيين محليين. وتثبت الكرة الأرضية التي ينظر إليها عالم الفلك الصلة بين العلم والفن بطريقة مباشرة؛ فهي تمثل الاهتمام المشترك لهذا العالم وثقافته في الأعمال الحرفية الراقية والأنظمة العلمية – مثل علم الخرائط والفلك.
على الرغم من أن الفنانين قد صوروا لوحات خيالية عن كائنات فضائية في القرون التالية، إلا أن التصورات الواقعية لطبيعة العوالم الخارجية أتت متأخرة في القرن التاسع عشر. فبرزت رسوم جايمس ناسميث – المهندس والمخترع الإسكتلندي – في كتابه حول القمر في عام 1885؛ حيث ابتكر بعض أوائل لقطات المؤثرات الخاصة باستخدام كاميرا ثقب الدبوس لتصوير نماذج الجص الممثلة للسمات القمرية. وقد نقح الصور ليخلق بيئة قمرية صحيحة؛ حيث أصبحت القمم الجبلية الخارجية التي صورها بشكل درامي تصورًا بصريًّا ذا أثر مستمر في فن الخيال العلمي حتى يومنا هذا.
وقد نقل الفنان وعالم الفلك الفرنسي لوسيان رودو (1874-1947) فن التصوير الفلكي إلى مستوى آخر؛ حيث كانت تصوراته عن الطبيعة القمرية الأكثر دقة حتى قامت المسبارات الفضائية ورواد الفضاء بتصوير القمر فوتوغرافيًّا. كما كان رودو أحد أول من غامروا إلى ما بعد القمر؛ حيث صور المشترى وزحل مثلما قد يبدوا من على سطح أقمارهما. فتظهر صورته للمشترى من على سطح القمر أيو حزم سحب المشترى المقوسة نحو قطبه مثلما قد تبدو من كوكب قريب؛ وتظهر تلك الحزم في التليسكوب متوازية.
لقد كانت مجلات الخيال العلمي ومجلات القصص المصورة في يوم من الأيام منفذًا أساسيًّا للفن الفضائي؛ حيث عادة ما صورت الكواكب، والمركبات الفضائية، والطبيعة الخارجية الدرامية. فيعد المعماري والفنان تشيزلي بونيستيل الذي ولد في عام 1888 سيد الفن الفلكي؛ حيث أظهرت لوحاته واقعية تكاد تصل إلى حد التصوير الفوتوغرافي، والتي رفعت فكرة السفر إلى الفضاء من مجرد خيال إلى احتمال. وتكمن قوة أعمال بونيستيل في تصوير العوالم الغريبة بجمالها الفضائي؛ حيث منحت إحساسًا بالمكان المقصود وكذلك الوسائل التكنولوجية المطلوبة للوصول إليها. وقد ألهمت أعماله الفنية في كتاب «غزو الفضاء» في عام 1947 العلماء والمهندسين الذن قاموا بجعل السفر إلى الفضاء حقيقة.
وينبثق الفن الفلكي أو الفضائي من التقاليد الفنية لبونيستيل، وهو جانب من الفن يعنى أساسًا بمنح المشاهد انطباعات بصرية عن الأماكن الفضائية الغريبة في الكون، وهي مصدر للإلهام البصري الذي توصله قدراتنا النامية على الاستيعاب والنشر إلى الثقافة العامة. وقد أتت الصور الأولى للكرة الأرضية عن طريق الأقمار الاصطناعية ومهام أبوللو بقيادة الإنسان بإحساس جديد بعالمنا بصفته جزيرة في فضاء فارغ، وهو ما دعم فكرة أهمية توحد البشر.
اليوم استبدل كثير من فناني الفلك أجهزة الكمبيوتر بالفرش ؛ حيث تمكنَّا برامج التجسيد ثلاثي الأبعاد من خلق صور واقعية بشكل مذهل. إلا أن تحدي تفسير البيانات الواردة من التليسكوبات ومسبارات الفضاء لا تزال كما هي. فيلعب فنانو الفلك دورًا مشابهًا لدور مصوري الطب؛ حيث يحاولون تصوير أوجه من الطبيعة تخرج عن نطاق تجربتنا التقليدية. فحتى وإن أكملت المسبارات الفضائية الاستكشاف الأولي لعوالم النظام الشمسي، إلا أن خيالنا من شأنه الذهاب إلى ما هو أبعد؛ إلى عالم الكواكب الخارجية والثقوب السوداء، وإلى حدود الكون المرئي، وحتى إلى فجر الزمان نفسه.
المراجع
artic.edu
cosmographica.com
iaaa.org
crystalinks.com