اللغة والمجتمع

شارك

معظمنا على الأرجح شاهد المسرحية الكوميدية المصرية «سيدتي الجميلة» أو الفيلم الموسيقي الأمريكي بنفس العنوان المأخوذين عن مسرحية «بيجمليون» للكاتب جوروج بيرنارد شو. تتطرق رائعة شو إلى الروابط الموجودة بين اللغة والمجتمع من خلال قصة هنري هيجنز، أستاذ علم الصوتيات الذي يُراهن على تحويل بائعة ورد سوقية إلى سيدة راقية من خلال تعليمها كيف تتحدث مثل الدوقات. في الحقيقة، من شأن الطريقة التي يتحدث بها الأشخاص أن تعطي معلومات عن ماهيتهم، وهذا الموضوع يندرج تحت نطاق علم اللسانيات الاجتماعية.

تُعنى اللسانيات الاجتماعية بدراسة الدور الاجتماعي للغة، أو بعبارة أخرى، دراسة اللغة في السياقات المجتمعية. في بداية مسرحية «بيجمليون»، يستعرض هيجنز قدرته على «معرفة أصل أي شخص بدقة شديدة» من خلال الاستماع إلى حديثه. لنترك الأدب جانبًا، ونقول إن هذه القدرة بالفعل شبيهة بما يستطيع علماء اللسانيات الاجتماعية فعله على أرض الواقع. تكوِّد التنوعات اللغوية التي يستخدمها مختلف الناس أو المجموعات في مختلف المجتمعات معلومات كثيرة عن المتحدثين؛ بما في ذلك المنطقة والعمر والنوع والتعليم والطبقة الاجتماعية وغيرها.

هذا، وتضم التنوعات اللغوية عناصر مختلفة، مثل النطق واختيار الكلمات والبِنى النحوية والتركيبية. تعتمد دراسة اللهجات – التي تختلف باختلاف المنطقة أو الطبقة الاجتماعية – بشكل أساسي على المنهج الوصفي؛ حيث تشرح كيف يستخدم الناس اللغة. ويعتمد علماء اللسانيات الاجتماعية على المقابلات الشخصية بشكل أساسي لتجميع البيانات. ومن ثَمَّ، يقومون بتحليل البيانات وملاحظة نسبة تكرار التنوعات اللغوية المختلفة وتوصيفها. وفي النهاية، يستطيعون توزيع هذه التنوعات اللغوية عبر مختلف المجموعات.

تدرس اللسانيات الاجتماعية أيضًا قواعد الأدب عبر المجتمعات. والأدب في سياق اللسانيات هو استخدام «الأفعال اللغوية» التي تُعنى باحترام شعور المتحدَّث إليهم وتعزز الكياسة واللطف. وجدير بالذكر أن ما قد يُعدُّ «فعلًا لغويًّا» مهذبًا في مجتمع ما قد يكون مهينًا في مجتمع آخر.  على سبيل المثال، الاختيار بين قول «أعطني الملح» أو «من فضلك أعطني الملح» يعتمد على القيم الثقافية وقواعد الأدب في كلِّ مجتمع. وبالمثل، يرجع اختيار الكلمات في عديد من الحالات إلى اعتبارات اجتماعية. فمناداة الشخص باسمه الأول أو بلقب «سيد» تعتمد على المكانة الاجتماعية للمتحدِّث والمتحدَّث إليه.

ومن شأن بعض المواقف الاجتماعية في بعض الأحيان أن تؤثر في اللغة بشدة، بل قد تولِّد لغة جديدة تمامًا. على سبيل المثال، قد تُنتج الأنشطة التجارية القائمة بين مجموعات تستخدم لغات مختلفة لغة مبسطة جديدة، وتعرف باللغة الهجينة أو البِدْجِن. ويمكن أن تتطور اللغات الهجينة بعد ذلك إلى نظم لغوية كاملة إذا اكتسبها أطفال متحدثيها بوصفها لغتهم الأم، وتعرف حينها باللغة المولَّدة أو اللغة الكريولية.

اللغة والمجتمع يربطهما أواصر راسخة لا يمكن قطعها. فمن ناحية، اللغة هي الوسيط الذي يتواصل أفراد المجتمع من خلاله وهو يشكِّل جزءًا من هويتهم. ومن ناحية أخرى، تنعكس العوامل الاجتماعية بقوة على الحديث، وستظل دائمًا منعكسة على تطور اللغة.

المراجع

Assets.cambridge.org
Britannica.com
Linguisticsociety.org
Oxfordbibliographies.com
Wardhaugh, R., and Janet M. Fuller (2015). An introduction to Sociolinguistics.Bottom of Form


*Cover image credits: pngegg.com

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية