في خمسينيات القرن الماضي أنشأ العالم الأمريكي ورائد علم الوراثة البشرية فيكتور ماكيوزك Victor Mckusick شعبة مختصة لهذا العلم في جامعة جونز هوبكنز، وكان من بين طلابه الأوائل الذين درسوا هذا التخصص في مرحلة الدكتوراه باحثة مصرية طموحة اسمها «سامية علي التمتامي».
ولدت الدكتورة سامية التمتامي عام ١٩٣٥ بالبحيرة، ثم انتقلت مع أسرتها إلى القاهرة. تفوقت في دراستها وكانت تقرأ كثيرًا في الموضوعات العلمية. قررت أن تصبح طبيبة منذ أن كانت في نحو العاشرة من عمرها تأثرًا بالطبيب الشاعر إبراهيم ناجي الذي كان يتابع علاجها من حمى التيفود، فأحبت مهنة الطبيب لما فيها من لطف وإنسانية. وعندما كانت في المرحلة الثانوية، التحق أخوها الأكبر بكلية الطب، فكان شغلها الشاغل قراءة كتبه الدراسية، وتأكدت حينها من أن الطب هدفها.
التحقت بكلية طب القصر العيني بجامعة القاهرة، وكان وقتها يتراوح فيها عدد الطالبات ما بين 20 إلى 30 طالبة، وكانت في فترة الجامعة تمارس الرياضة وتشارك في بطولات؛ فلم يعيقها ذلك بل زادها نشاطًا وحيوية. وتخرجت في الجامعة عام 1957 وكان من بين دفعتها الجراح الشهير مجدي يعقوب.
With President Gamal Abdel Nasser (1957). Source: annualreviews.org
ملت بعد التخرج في مستشفى أبو الريش، ثم حصلت على دبلوم طب الأطفال، فازداد حبها للأطفال وشعرت بحاجتهم إلى من يفهم آلامهم. وكان الأطفال من ذوي الحالات المستعصية والتشوهات الخلقية هم الدافع الرئيسي لدراسة الوراثة البشرية؛ إذ أثارت تلك الحالات انتباهها وكانت بمثابة ألغاز يصعب حلها. وقد كان ذلك الوقت بداية علم الوراثة حين اُكتشف عدد الكروموسومات في خلية الإنسان عام 1956، فأدركت أن علم الوراثة مفتاح حل تلك الألغاز. وظلت تتابع تلك الحالات وتوثقها باستمرار وتدرسها. ولشغفها البحثي اتجهت إلى البحث العلمي فالتحقت بوحدة الأبحاث الطبية بالمركز القومي للبحوث.
https://youtu.be/8qUMpDnG3rg
سافرت إلى أمريكا لدراسة الدكتوراه في جامعة جونز هوبكنز، وهناك عملت تحت إشراف البروفيسور ماكيوزك، وحصلت على الدرجة عام 1966؛ لتصبح أول عربية تنال الدكتوراه في الوراثة البشرية. وكان موضوع رسالتها «وراثة تشوهات اليدين» وجمعت فيها جميع أشكال تشوهات اليدين وقسمتها إلى مجموعات مختلفة، ثم تحولت رسالتها فيما بعد إلى مرجع أساسي في هذا المجال. وكذلك اكتشفت الأمراض الوراثية، وكان أول مرض اكتشفته متلازمة كاربنتر Carpenter Syndrome، ثم توالت الاكتشافات بعد عودتها إلى مصر ووصلت إلى 40 مرضًا وراثيًّا.
The Monograph. Source: annualreviews.org
عادت الدكتورة سامية التمتامي إلى مصر ناقلة هذا العلم الجديد، وبدأت في المركز القومي للبحوث بمفردها تجري أبحاثها بإمكانيات بسيطة، ثم استعانت بعد ذلك بمساعد فني. وأسست في المركز عيادة لاستقبال الحالات المرضية الوراثية. وفي 1977 استطاعت أن تؤسس قسم الوراثة البشرية، ثم تحول بعد ذلك إلى شعبة تضم أكثر من مائة باحث، إلى أن أسست مركز تميز الوراثة البشرية في 2014. وأنشأت أيضًا الجمعية القومية للوراثة البشرية بهدف رفع الوعي حول الأمراض الوراثية من خلال القوافل الطبية، وتقديم الدورات التدريبية للباحثين والأطباء، بالإضافة إلى إقامة مؤتمرات محلية وقومية وعالمية عديدة.
وكذلك أنشأت مجلة الشرق الأوسط لعلم الوراثة الطبية وترأست تحريرها، كما شاركت في أكثر من 50 مؤتمر محلي ودولي، ونشر لها أكثر من 200 بحث في الدوريات العلمية، وأشرفت على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، وألفت كتابًا يبسط علم الوراثة باللغة العربية بعنوان «الوراثة البشرية.. الحاضر والمستقبل». أما عن تكريم جهودها الكبيرة، فقد نالت جوائز عديدة مثل جائزة الدولة التقديرية ووسام النيل وعدة جوائز دولية، كما اختيرت ضمن أكثر خمسين سيدة مؤثرة في 2017، وحصلت على جائزة مؤسسة هوجو للجينوم البشري لقارة إفريقيا.
Source: alwatannews
وبعد مسيرة علمية طويلة وعطاء لا ينضب استمر لأكثر من خمسين عامًا، رحلت عن دنيانا الدكتورة سامية التمتامي في يونية 2021 إثر إصابتها بفيروس كورونا.
https://fb.watch/bVfoQfi63x/
المراجع
annualreviews.org
arsco.org
web.archive.org
Cover: Prof. Samia Temtamy. Source: arsco.org