الاستغماية البرية

شارك

التمويه عملية تقوم خلالها الكائنات بتغيير ألوانها وَفقًا للبيئة المحيطة بها، حيث يصبح من الصعب تمييزها عما يحيط بها. وقد تستخدم بعض الكائنات التمويه لتتنكر في صورة كائنات أو أشياء أخرى خطيرة أو غير مثيرة للاهتمام، وذلك لإبعاد مفترسيها. والطريقتان الأكثر شيوعًا اللتان تستخدمهما الكائنات لتغير ألوانها هما التلون الكيميائي والتلون الفيزيائي. أما في عملية التلون الكيميائي، فتستخدم الحيوانات خلايا صبغية ميكروسكوبية طبيعية موجودة في أجسامها تُسمى الكروماتوفورز، والتي تقوم بامتصاص بعض أطياف الضوء وتعكس أخرى. وأما في عملية التلون الفيزيائي، فتقوم الحيوانات بتغيير ألوانها عن طريق بنيات فيزيائية ميكروسكوبية تعمل بمثابة مواشير تقوم بتكسير الضوء وبعثرته، مما يؤدي إلى عكس بعض تركيبات الألوان. 

الحرابي

تعد الحرباء أشهر الحيوانات المُغيرة لألوانها، وتعيش تلك الزواحف المذهلة في شمال قارة إفريقيا، والشرق الأوسط، والهند، ومدغشقر، والتي تؤوي وحدها نحو 50% من أنواع الحَرابي المعروفة. وهناك نحو مائة نوع معروف من الحَرابي، تستطيع أغلبها تغيير لونها ما بين البني والأخضر، ويستطيع بعضها التغير لأي لون كان.

وللحَرابي خلايا صبغية طبيعية – كروماتوفورز - تحت بشرتها. وعادة ما تكون الخلايا الصبغية الحمراء أو الصفراء في الطبقات العلوية، بينما تكون الزرقاء أو البيضاء في الطبقات السفلية. ويتغير لون جسم الحرباء عن طريق التحكم بتلك الخلايا.

إلى جانب استخدام الحَرابي للتمويه بوصفه وسيلة للدفاع عن نفسها، فإنها تلجأ إليه استجابة لعوامل أخرى، مثل درجة الحرارة والحالة المزاجية. على سبيل المثال، عندما تشعر الحرباء بالبرد، فإنها قد تتحول إلى لونٍ داكن ليساعدها على امتصاص المزيد من الحرارة. وعندما تغضب، فإنها تتحول للونين الأحمر والأصفر.

الدببة القطبية

بعيدًا، حيث تمتد الصفائح الثلجية القطبية الشمالية في إحدى البيئات الأكثر برودة في العالم تعيش الدببة القطبية ناصعة البياض. فصدق أو لا تصدق، فإن تلك المخلوقات سوداء اللون في الأصل ولها فرو شفاف؛ إلا أن لونها الأسود قد يجعل منها هدفًا سهلاً مقارنة بمثل تلك الخلفية البيضاء.

وتغير الدببة القطبية لونها باستخدام الآلية الفيزيائية لتحظى بمعطف فروي ناصع البياض يؤمن لها التمويه المطلوب في بيئتها. فيحمل الفرو الشفاف الذي يغطي أجساد الدببة القطبية بنيات شبيهة بالمواشير الضوئية تعكس ضوء الشمس واللون الأبيض للثلوج المحيطة بها، مما يجعلها تبدو بيضاء.

مع الأسف، فإن أعداد الدببة القطبية آخذة في التناقص، وقد تم إدراجها في قوائم الكائنات المعرضة لتهديد شديد بالانقراض. وذلك نتيجة للتغيرات الشديدة المتسارعة التي تطرأ على بيئتها بفعل الاحترار العالمي. وما لم يغير البشر من الطريقة التي يتبعونها الآن، فسيفقد العالم تلك المخلوقات الرائعة بحلول خمسينيات هذا القرن، وذلك وَفقًا لآخر الدراسات المنشورة.

خنفساء السلحفاة الذهبية

انتقالاً إلى عالم الحشرات، فإننا سنجد خنفساء السلحفاة الذهبية - وهي خنفساء شائعة في شمال أمريكا - والتي تتمتع بأسلوب شديد التميز للتمويه اللوني. فمظهر تلك الخنفساء المعدني اللامع يجعلها تبدو وكأنها قطرات ندى لامعة على أسطح أوراق الشجر. ولكن، ما عليك إلا أن تدير وجهك لثانية واحدة لتعتقد أن خنفساء الدعسوقة الحمراء المرقطة قد حلت محلها.

وتعتمد عملية التمويه على قدر السوائل التي تملأ التجاويف الموجودة تحت غطاء الخنفساء الخارجي الشفاف. وتتحكم الخنفساء بهذه السوائل باستخدام صمامات مجهرية؛ فعندما تمتلئ بالسوائل، تحول التجاويف غطاء الخنفساء الخارجي إلى مرآة تعكس ضوء الشمس في درجات مختلفة. وفي الربيع والصيف يكون لون تلك الخنافس ذهبيًّا لامعًا، بينما تصبح في فصلي الخريف والشتاء أقل لمعانًا وتعكس لونًا برتقاليًّا وبرونزيًّا.

لحماية نفسها من المفترسات، تقوم خنفساء السلحفاة الذهبية، والتي تعد وجبة مفضلة للطيور، بتغيير ألوانها لتبدو مثل خنفساء الدعسوقة الحمراء المرقطة بالأسود، والتي لا تتمتع بمذاق جيد. فعندما تنزعج تلك الخنافس أو تشعر بالتهديد، تقوم بسحب السوائل من التجاويف مظهرةً بذلك لونًا أحمر تشوبه علامات منعكسة من الطبقة السفلية تشبه تلك التي تميز خنفساء الدعسوقة.

*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني 2012/2013.

المراجع

science.howstuffworks.com
magma.nationalgeographic.com
livescience.com
animals.nationalgeographic.com
news.nationalgeographic.com
education.nationalgeographic.com
whatcom.wsu.edu
asknature.org
scienceray.com
kidcyber.com.au

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية